الآثار التعبدية على الأعمال والسلوك: آثار التوحيد في الأخلاق والتعامل مع الناس

الآثار التعبدية على الأعمال والسلوك: آثار التوحيد في الأخلاق والتعامل مع الناس

الآثار التعبدية على الأعمال والسلوك: آثار التوحيد في الأخلاق والتعامل مع الناس

عناية القرآن الكريم بالقيم الأخلاقية
قال تعالى : " إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا "
 

التوحيد وسلوكيات الفرد وأخلاقه مع الناس

كما ظهر أثر التوحيد والإيمان في قلب المؤمن، وفي سلوكه الخاص يظهر أيضًا في سلوكه وأخلاقه مع الناس، قال ﷺ: “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” (رواه البيهقي)، بل ربط ﷺ بين الإيمان والخلق؛ فقال ﷺ: “أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقًا وألطفهم بأهله” (رواه الترمذي)، فالُمُوحد الذي يَستحضر مُرَاقبة الله، وإِحَاطته بِعباده أكثر ما يكون رأفة ورحمة بالناس في مختلف دوائر حياته :

في البيت والأسرة

1-التعامل مع الوالدين: المُوحد أعظم ما يكون قِيامًا بحق الوالدين؛ فقد قَرن الله بينهما في كتابه فقال{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا24 وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي25 صَغِيرًا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء23: 25] ، ويقول تعالى{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [العنكبوت: 8]

2-التعامل مع الأبناء: مع أن الأبناء هم زينة الدنيا قال تعالى فيهم{الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف: 46]، إلا أن التوحيد الذي في قلب المؤمن يدعوه لتربية أبناءه وتربيتهم، وقد نادى الله المؤمنين بإيمانهم إلى وقاية أنفسهم وأهليهم من نار جهنم؛ فقال{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وجعلها مسؤولية على كل راع؛ قال ﷺ : “كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته؛ الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته” (رواه البخاري).

3-التعامل مع الزوجة: فالمُوَحِد يؤدي حَق زَوجته، ويَخشى ويُرَاقب الله فيها، وفي أداء حُقوقها والإِحسان إليها، : قال تعالى{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] ، وقال ﷺ: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي..” (رواه الترمذي)، ولما جاء نساء يشكين أزواجهن لرسول الله ﷺ، قال ﷺ: “خياركم خياركم لنسائهم” (رواه ابن ماجه).

4-التعامل مع الزوج: فالتوحيد يُثمر على قلب المرأة المؤمنة خَشية من الله تكون سبب في قِيامها بحق زوجها لتصل إلى جنة ربها: قال ﷺ: “إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شيء” (رواه أحمد)، وأمرها الله تعالى أن لا تكلفه ما لا طاقة له به؛ فقال تعالى{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]، وأن لا تسأله الطلاق بلا بأس؛ قال ﷺ: “أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة” (رواه أحمد).

مع الأقارب والجيران

صِلة الرَّحِم وحَق الجَّار: قَرن الله بين عبادته وحده وتوحيده، وبين تعامل وأخلاق المُوحد في تعامُله مع أَرحامه وأقاربه وجِيرانه؛ قال تعالى{ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا }[النساء: 36] ، وقال تعالى{ فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [الروم: 38] ، وقال ﷺ: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره..” (رواه مسلم).

في العمل ومع كل الناس
محال أن يظن بالنبى ﷺ أنه عَلَّمَ أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد، والتوحيد ما قاله النبى ﷺ: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله..” (رواه البخاري )، فما عصم به المال والدم هو حقيقة التوحيد.

الإمام مالك بن أنس

يُثمر الإيمان في قلب المُوحد لله حُسنًا في الخلق، ونصحًا للناس وصِدقًا في التعامل، فهذه من أفضل الأعمال التي يتقرب بها المؤمن لله جَلّ وعز:

1-حسن الخلق: قال تعالى في وصف نبيه ﷺ{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، وقال ﷺ: “أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله، وحسن الخلق” (رواه الترمذي)، وقال ﷺ: “أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجةٍ أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد ـ يعني مسجد المدينة ـ شهرا..” (رواه الطبراني).

2-الصدق؛ قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة: 119]، وقال ﷺ: “إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابًا” (رواه البخاري)، وقال ﷺ: “آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤْتُمِن خان” (رواه البخاري).

3-النصح وعدم الغش: قال ﷺ: “ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة” (رواه مسلم)، وقد مرَّ ﷺ على صُبرَة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا؛ فقال: “ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني” (رواه مسلم).