العمل بين الدنيا والآخرة

العمل بين الدنيا والآخرة
يمكننا القول هو أن العمل والكسب هو نشاط وسمة ملاصقة للإنسان لا يمكنه الحياة لحظة بدون عمل ما وكسب يكسبه هذا إن نظرنا للعمل بمفهوم واسع الذي يشمل العمل الوظيفي والعمل التطوعي والعلاقات الاجتماعية حتى الفكر والتأمل هو لون من ألوان العمل بالغ الرقي وهو بمثابة الأساس العميق للعمل الظاهر.
والإنسان وهو يسعى في هذه الحياة ويعمل ويكد فيها يمكننا أن نقسم عمله إلى ثلاث فئات كبرى هي: الطاعات والمنهيات والمباحات.

أولا :- الطاعات

هي كل ما يحبه الله سبحانه وتعالى ويرضاه كالصلوات الخمس والوضوء لها استعمال السواك عند الوضوء والصلاة صلاة الجماعة السنن الرواتب قيام اللَيل والوِتر أذكار الصباح والمساء أذكار اليوم والليلة صلاة الجمعة قراءة سورة الكهف يوم الجمعة الإكثار من الصلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليلة الجمعة ويومها، صيام الاثنين والخميس وصيام ثلاث أيام من كل شهر الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
 صوم رمضان وصلاة التراويح جماعة في المسجد واعتكاف العشر الأواخر فيه وصلاة العيدَين والعمرة الحج لمَن استطاعَ إليه سبيلا الزكاة والصدقة صوم عرفة والإكثار من الأعمال الصالحة في العشر الأوَل من ذي الحجة.
ومن الطاعات أيضا ذِكر الله وتلاوة القرآن والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدُّعاء، والاستغفار وبر الوالدين وصلة الرحِم وعيادة المريض الصدقة وإفشاء السَلام على المسلمين والاصلاح بين الناس حسن الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغض البصر ولين الكلام.
وأيضا أعمال القلوب كمحبة الله تعالى وخشيته ورجاؤه والتوكل عليه والاستعانة به سبحانه وتعالى.
هذ الأعمال هي الباقيات الصالحات (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً) [الكهف:46]
وهذه الطاعات منها ما هو واجب أو فرض يثاب فاعله ويأثم تاركه كالصوات الخمس وصوم رمضان ومنها ما هو مندوب أو مستحب فيثاب فاعله ولا يأثم تاركه كالسنن الرواتب وأذكار الصباح والمساء.
فكل عمل في الطاعات هو من أعمال الآخرة التي تقرب إلى الله، وكل إنشغال عنها بعمل آخر هو من عمل الدنيا التي أمرنا الله أن لا ننس نصيبنا منها مالم تكن من المنهيات.

ثانيا :- المنهيات

ومنها المحرمات التي يثاب تاركها ويأثم فاعلها وأشدها الكبائر ومنها المكروهات التي يثاب تاركها ولا يأثم فاعلها ومن الأفضل أن يبتعد الإنسان عنها قال صلى الله عليه وسلم (إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب) متفق عليه
ومن المنهيات تأخير الصلاة عن وقتها والصلاة في أوقات مكروهة كوقت طلوع الشمس أو قبيل الغروب والنقر في الصلاة والالتفات فيها وكصيام يوم الجمعة منفردا وصيام يوم الفطر أو الأضحى ومن ذلك أيضا الغيبة والبهتان والمشي بالنميمة بين الناس والسب واللعن والكلام الفاحش البذئ ويأتي على قمة المنهيات الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والسحر وقطع الأرحام وقطع الطريق والتولي يوم الزحف وأكل الأموال بالباطل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا (31)[النساء: 29-30- 31]
وقال تعالى أيضا عن هذه المنهيات (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام:151]
ومن المنهيات ما يخص أعمال القلوب كسوء الظن بالله تعالى والرياء وكراهية الخير للمسلمين ونحو ذلك.
وهذا القسم قطعاً ليس من أعمال الأخرة بل تركها هو من العمل للآخرة الذي يثاب عليه المسلم، فمن الأعمال الصالحة التي يرجو بها المسلم ما عند الله والدار الآخرة ترك المنهيات لله، والتعبد لله بتركها، وعمل كل ما يعين على تركها.

ثالثا :- المباحات

ما خير الشارع المكلَف بين فعله وتركه ولا يلحقه مدح ولا ذم شرعي بفعله وتركه وكثير من أعمال الإنسان تندرج تحت بند المباحات كالأكل والشرب والنوم والنزهة حيث ذهب جمهور العلماء إلى أنه ليس من التكليف لأن التكليف أمر ونهي والمباح لا يدخل في هذا ولا ذاك على سبيل الحقيقة.. بينما ذهب بعض المعتزلة إلى أنه تكليف لأن فعل المباح لا يتحقق إلا بترك الحرام.
على أن المباح قد يدور مع الأحكام الخمسة بحسب نية الإنسان وحاجاته فإن الزواج مباح فإن خشي الفتنة على نفسه أصبح واجبا وإن أراد إحياء سنة النبي في الزواج دون أن يخشى على نفسه من الفتنة أصبح مستحبا وإن عرف من نفسه عدم القدرة على العدل والنفقة أو قصد إلحاق الضرر بالزوجة فهو حرام وهكذا.
وقد يكون المباح وسيلة لمأمور به أو منهي عنه، وفي هذه الحالة يأخذ حكم المقصد فإذا كان وسيلة إلى واجب كان واجبًا وإذا كان وسيلة إلى حرام كان حرام حيث الوسائل لها حكم المقاصد.
ويتحدد كون العمباحات من عمل الدنيا او من عمل الآخرة حسب ما يقترن بها:
  • فما كان وسيلة أو معيناً لطاعة فهو طاعة ومن العمل للآخرة ومكا كان وسيلة لمعصية أخذ حكمه.
  • النية من فعل المباح فالنوايا الصالجة تجعل المباحات قربات وطاعات.
  • ما تجرد من أنه وسيلة أو معين على شيء وتجرد من أي نية فهو مباح يستوي فعله وتركه.