حقيقة الموت

حقيقة الموت

أوصانا النبي ﷺ أن نُكثِر من ذكر الموت، فعن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ (أي قاطع) اللَّذَّات) رواه الترمذي والنسائي.

وعن أنس بن مالك عن النبي ﷺ: (اذكر الموتَ في صلاتِك، فإنَّ الرجلَ إذا ذكر الموتَ في صلاتِه لحريٌّ أن يُحسنَ صلاتَه، وصلِّ صلاةَ رجلٍ لا يظنُّ أنَّه يُصلِّي صلاةً غيرَها، وإيَّاك وكلُّ أمرٍ يُعتذَرُ منه) أخرجه البيهقي.

فالرسول ﷺ لم يأمرنا فقط بذكر الموت، بل بالإكثار من ذكره، والمداومة على التفكر فيه، وفي الحديث السابق لفت إلى معنى هام وهو أن ذكر الموت يجعل الإنسان يُحسن العبادة.

فذكر الموت يملأ العبادة بالروحانية والخشوع والمعاني الإيمانية المطلوب وجودها، والتي حين تخلو منها تتسم تلك العبادات بالجمود والآلية، وتفقد معناها وتأثيرها بمرور الأيام.

روى ابن ماجه والمنذري في الترغيب والترهيب بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنه: (أن رجلا من الأنصار سأل النبي ﷺ: "أي الناس أكيس؟ قال: أكثرهم للموت ذكرًا، وأحسنهم لما بعده استعدادًا.. أولئك الأكياس)".

فأذكى الناس وأعقلهم من ذكر خاتمته واستعد لها، وأحمق الناس من نسي آخرته وهجر ذكر الموت، وتتفاوت مراتب الناس ما بين هذا وذاك.

وقد قيل إن من أكثر ذكر الموت أكرم بثلاثة أشياء:

  • تعجيل التوبة، لأن من ينتظر الموت يخشى أن يموت بلا توبة.
  • قناعة القلب، فمن أيقن بقرب الرحيل هانت عليه الدنيا.
  • نشاط العبادة، فمن أوشك على المثول للحساب استعد لهذا اليوم.

ومن نسي الموت عوجل بثلاثة:

  • تسويف التوبة، فمن أهمل ذكر الموت لا يرى داعيًا لتعجيلها.
  • الطمع في الدنيا، لأنه نسي أنه راحل عن هذه الدار ومفارقها.
  • التكاسل عن العبادة، لأنه غافل عن مصيره وموته.

ومن حضر قلبه وفقهت نفسه تذكر الموت في مواقف لا يكاد يرى غيره من الناس فيها موعظة، فعندما يأوي المرء إلى فراشه يستحضر أنه مقبل على الموتة الصغرى وهي النوم، لأنه يسلم روحه كل يوم مرة أو أكثر ثم يردها الله إليه مرة أخرى حين يستيقظ، وفي هذا عبرة لمن تفكر.

قال الله (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر: 42]

فالمؤمن يحمد الله إذا استيقظ لأنه مد في عمره ورد إليه روحه، كما علمنا المصطفى ﷺ، فمن السنة أن نقول حين نقوم من النوم: "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" أخرجه البخاري ومسلم.

ومن السنة أيضًا أن يزور المرء قبور الموتى كل فترة ليتعظ بذلك، قال ﷺ: (زوروا القبور فإنها تذكر الموت) مسلم.

وعندما يزور الإنسان قبره فليتخيل جسده فيه ويسأل نفسه، هل وضع فيها عملاً صالحاً أم لا؟

وليتذكر أنه إذا جاءه الموت فلا مفر ولا مناص (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون: 11]

ومن طبع البشر أنهم يتهربون من الموت، ويأخذون بكل الأسباب التي تجعلهم يعيشون لأطول فترة ممكنة، دون استعداد لهذا الموعد، كأن ذلك قد يغير من القدر المحتوم، قال ﷻ (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجمعة: 8]

وقد كان ذكر الموت من دأبَ الصالحين من الصحابة ومَنْ بعدهم، عملاً بوصايا رسول الله ﷺ، وتركوا لنا تراثًا عظيما في هذا الصدد.



كلمات دليلية: