أمثلة الدنيا من السنة

قيمة الدنيا – أمثلة السنة النبوية للدنيا – أمثال نبوية

قيمة الدنيا

عن المستورد بن شداد قال: كنت مع الركب الذين وقفوا مع رسول الله  على السخلة الميتة فقال رسول الله  أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها؟ قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول الله، قال: فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها) رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

(السخلة) صغير المعز أو الضأن.

(من هوانها ألقوها) أي بسبب استهانتهم بها رموها.

ويشبه هذا ما رواه جابر بن عبد الله أن رسول الله  مر بالسوق فمر بجدي أسك (أي صغير الأذنين) ميت فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟! قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت، فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم) رواه مسلم.

 فالله سبحانه وتعالى لا يقيم للدنيا وزنًا، كما قال النبي  في الحديث الذي رواه الترمذي: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء).

فهذا مثل للقلة والحقارة، إذ لو كان لها أدنى قدر ما سقى كافرا منها -أي من مياه الدنيا - شربة ماء، ولم يمتع الكافر منها أدنى تمتع.

فإن الكافر عدو الله، والعدو لا يعطي شيئا مما له قدر عند المعطي، فمن حقارتها عنده لا يعطيها لأوليائه.

 فالدنيا كما قال  (سجن المؤمن وجنة الكافر) رواه مسلم، فهي سجن للمؤمنين مقارنةً بما أعدّ لهم في الآخرة من النعيم المقيم، وجنة للكافرين، بالنسبة لما أعد لهم من عذاب الجحيم.

مات لرجل من السلف ولد، فعزاه سفيان بن عيينة، ومسلم بن خالد، وآخرون، وهو في حزن شديد، حتى جاءه الفضيل بن عياض، فقال: يا هذا أرأيت لو كنت في سجن وابنك، فأفرج عن ابنك قبلك، أما كنت تفرح؟ قال: بلى، قال: فإن ابنك، خرج من سجن الدنيا قبلك، قال: فسرى عن الرجل، وقال: تعزيت (كشف الكربة).

فهذه الحياة التي يتنافس عليها الناس ويجعلونها منتهى آمالهم، ويضعون فيها أقصى طاقتهم هي فترة ضائعة، لأنها زائلة فهي جديرة إذاً بألا تُعطى أكبر من حجمها.

يقول الحسن البصري - رحمه الله -: لقد أدركت أقوامًا كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي يمشون عليه(حلية الأولياء).

فمن امتلك في الدنيا أطنان الذهب والفضة، ومن كان لا يملك إلا قوت يومه كلاهما سيفارق الدنيا عاريًا عن كل نعيم، ولن يصحب الغني أمواله ولا القوي قوته حين يفارق الدنيا.

ولو تفكرنا كم يبلغ عمر الغنيِّ؟ إذا وصل إلى عمر المائة يقال له: معمر، ولربما لم يتمتع بماله كثيراً في تلك الحياة كلها، يعني يذهب معظم وقته وحياته في جمع هذا المال والذهاب والمجيء والتعب والتفكير والشقاء، وباقي الوقت يذهب كثير منه في النوم، فما الذي يبقى له من المتع؟

ولو فرضنا أنه عاش إلى عمر المائة فذلك يكون تنغيصاً في حقه، إذ تصيبه السآمة، والأمراض والضعف، ولا يجد للنوم طعماً ولذة وراحة، ولا يستطيع أن يزاول كثيرًا من الأشياء.

وقد ورد أن ابن السماك الزاهد دخل على أمير المؤمنين هارون الرشيد فقال له هارون: عظني يا ابن السماك، فقال له: يا أمير المؤمنين هب أنك تسير في صحراء فنفذ ما معك من الزاد والماء فاشتد بك الظمأ حتى احترق جوفك فظللت تبحث عن الماء فلم تجد ماء فجاء لك رجل بكأس من الماء وقال لك يا أمير المؤمنين أستطيع أن أسقيك من هذا الكأس على أن تعطيني نصف ملكك فماذا تفعل؟ قال: أعطيه نصف ملكي، قال: هب أنك بعد أن شربت هذا الماء احتبس في جوفك فظل يؤرقك ويتعبك تريد أن تبول فلا تستطيع فجاء لك رجل فقال أنا أستطيع أن أخرج البول منك على أن تعطيني نصف ملكك الآخر فماذا تفعل؟ قال: أعطيه، قال: فانظر يا أمير المؤمنين إلى هذا الملك الطويل العريض لا يساوي شربة وبولة (البداية والنهاية).

 

الآخرة هي المستقبل

فالمتعة الحقيقية هي متعة الآخرة الباقية الخالدة التي لا يفنى نعيمها، ولا ينتهي شبابها ولذاتها، فأهلها لا يهرمون، ولا يموتون، ولا يمرضون ولا يصيبهم شيء من هذه المنغصات التي تلازمنا في هذه الحياة.

وحتى لو افترضنا جدلاً أن الغني تمتع بشبابه وصحته على أتم الوجوه طوال مائة عام، فما قيمة النعيم المحدود إن كان يعقبه الحساب والعذاب؟! (أفرأيت إن متعناهم سنين، ثم جاءهم ما كانوا يوعدون، ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون) [الشعراء: 205-207]

يقول الإمام علي بن أبي طالب : إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا (البداية والنهاية).

فالمستقبل للآخرة، والعمر الطويل في الآخرة، وأبناؤها هم من يفوزون، في حين يُيتم أبناء الدنيا إلى الأبد، لأنهم سيفارقونها جميعًا ليعيشوا في دار لم يألفوها ولم يستعدوا للقائها.

فالعجب ممن يحزن على نقصان ماله ولا يحزن على فناء عمره، والعجب ممن يرى الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة عليه ويشتغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلة.