الحياة الدنيا وسكرات الموت

الحياة الدنيا وسكرات الموت والإحتضار

سَكَرات الموت، وما أدراكم ما سكرات الموت؟ هولها شديد، ووقعها أليم، ولا يكاد ينجو منها إلا الشهداء.

عانَى منها رسولُ الله ﷺ فكان يقول: (لا إله إلا الله، إنَّ للموت لسَكرات) رواه البخاري، وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود قال: دخلت على رسول الله ﷺ وسلم وهو يوعك وعكًا شديدًا، فقلت: يا رسول الله، إنك لتوعك وعكًا شديدًا. فقال رسول الله ﷺ وسلم: إني أوعك كما يوعك رجلان منكم. قلت: بأن لك أجرين؟ قال: نعم.

فسكرات الموت شديدة ويُقال إن كل سكرة منها أشد من ألف ضربة بالسيف، والله أعلم.

قال الله تعالى (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [ق: 19]

و"سكرة الموت" هي شدته وغمرته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله، ومعنى (بالحق) أنه عند الموت يتضح له الحق ويظهر له صدق ما جاءت به الرسل من الإخبار بالبعث، والوعد، والوعيد، وقيل: الحق هو الموت، كما ذكر الشوكاني في "فتح القدير".

قال الماوردي: (ذلك ما كنت منه تحيد) يحتمل وجهين: 

أحدهما: أنه كان يحيد من الموت، فجاءه الموت. 

الثاني: أنه يحيد من الحق، فجاءه الحق عند المعاينة.

 

لحظة الاحتضار

وصف الله لحظة الاحتضار وصفًا تنخلع له القلوب وتقشعر له الأبدان فقال عز من قائل: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [الواقعة: 83 – 87]

 وقال أيضًا: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ) [القيامة: 26 – 30]

فهذا والله مشهد حري أن يجعل كل ظالم يرجع عن ظلمه وكل مضيع للصلاة يرجع إلى المسجد، وكل عاصية لله تتوب عما تفعل، فحين تبلغ الروح الحلقوم، ويقف صاحبها على حافة العالم الآخر; ويقف الجميع عاجزين، لا يملكون له شيئا، ولا يدرون ما يجري حوله، بينما هو قد أصبح على مشارف الآخرة لا يملك من أمره شيئًا.

وهذا المشهد وحده أبلغ موعظة، فقد روي أن الحسن زار عليلاً، فوافقه وهو في الموت، ورأى تقلَّبه وشدة ما نزل به، فلما رجع إلى داره قدَّموا له طعامًا، فقال: عليكم بطعامكم وشرابكم؛ فإني رأيت مصرعًا لا بد لي منه، ولا أزال أعمل له حتى ألقاه، وتأخر عن الطعام أيامًا، حتى لطف به وأكل (سكب العبرات).

ولما احتضر يزيد الرقاشي بكى، فقيل له: ما يبكيك - رحمك الله؟ قال: أبكي على ما يفوتني من قيام الليل وصيام النهار، ثم بكى وقال: مَن يُصلِّي لك يا يزيد، ومَن يصوم؟ ومَن يتقرَّب لك إلى الله بالأعمال بعدك؟ ومَن يتوب لك إليه من الذنوب السالفة؟ ويحكم يا إخوتاه! لا تغترنَّ بشَبابكم، فكأنْ قد حلَّ بكم ما حلَّ بي من عظيم الأمر وشدة كرب الموت، النجاء، النجاء، الحذر، الحذر يا إخوتاه، المبادرة يرحمكم الله". "تهذيب الكمال"