حال الصالحين مع الموت

حال الصالحين مع الموت

مما يرقق القلب معرفة أحوال الصالحين وما نزل بهم عند الموت، فهذه لحظات بالعمر كله، وفيها عظات بليغة، وهاك بعضًا منها:

-لما حضرت أبا هريرة الوفاة بكى، فقيل له ما يبكيك؟ فقال بُعد المفازة وقلة الزاد وعقبة كؤود، المهبط منها إلى الجنة أو النار. صفة الصفوة

-لما طعن عمر جاء عبدالله بن عباس , فقال: يا أمير المؤمنين, أسلمت حين كفر الناس, وجاهدت مع رسول الله ﷺ حين خذله الناس, و قتلت شهيدا و لم يختلف عليك اثنان, وتوفي رسول الله ﷺ و هو عنك راض فقال له: أعد مقالتك فأعاد عليه, فقال: المغرور من غررتموه, والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت لافتديت به من هول المطلع.

وقال عبدالله بن عمر: كان رأس عمر على فخذي في مرضه الذي مات فيه فقال: ضع رأسي على الأرض، فقلت: ما عليك كان على الأرض أو كان على فخذي؟ فقال: لا أم لك, ضعه على الأرض. فقال عبدالله: فوضعته على الأرض. فقال: ويلي وويل أمي إن لم يرحمني ربي عز و جل. حلية الأولياء.

-لما طعن أمير المؤمنين عثمان بن عفان و أرضاه قال والدماء تسيل على لحيته: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين اللهم إني أستعديك وأستعينك على جميع أموري وأسألك الصبر على بليتي. الرياض النضرة.

-عن أم الدرداء، أن أبا الدرداء لما احتضر، جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لمثل ساعتي هذه؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ ثم يقول: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام: 110]

حلية الأولياء

-لما حضرت أبي سفيان الانصاري الوفاة قال: لا تبكوا علي فإني لم أتنظف بخطيئة منذ أسلمت. أسد الغابة 

-ورد عن معاذ بن جبل - أنه لما حضره الموت قال: انظروا، أصبحنا؟ فأتي، فقيل: لم تصبح؛ فقال: انظروا، أصبحنا؟ فأتي، فقيل له: لم تصبح؛ حتى أتي في بعض ذلك، فقيل: قد أصبحت؛ قال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار، مرحباً بالموت مرحباً، زائر مغيب، حبيب جاء على فاقة؛ اللهم، إني قد كنت أخافك، فأنا اليوم أرجوك؛ اللهم، إنك تعلم، أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها: لجري الأنهار، ولا لغرس الأشجار؛ ولكن: لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر. الزهد

-وحين أتى الموت بلال بن رباح وأرضاه قالت زوجته: واحزناه فكشف الغطاء عن وجهه وهو في سكرات الموت.. و قال: لا تقولي واحزناه , وقولي وافرحاه، ثم قال: غدا نلقى الأحبة..محمدا وصحبه. تاريخ بن عساكر.

-عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب قال: دعا أبو موسى الأشعري فتيانه حين حضرته الوفاة؛ فقال: اذهبوا، واحفروا، وأوسعوا، وأعمقوا؛ فجاؤا، فقالوا: قد حفرنا، وأوسعنا، وأعمقنا. فقال: والله، إنها لإحدى المنزلتين: إما ليوسعن علي قبري، حتى تكون كل زاوية منه أربعين ذراعاً، ثم ليفتحن لي باب إلى الجنة، فلأنظرن إلى أزواجي ومنازلي، وما أعد الله تعالى لي من الكرامة، ثم لأكونن أهدى إلى منزلي مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من ريحها وروحها حتى أبعث؛ ولئن كانت الأخرى ـ ونعوذ بالله منها ـ: ليضيقن علي قبري، حتى يكون في أضيق من القناة في الزج، ثم ليفتحن لي باب من أبواب جهنم، فلأنظرن إلى سلاسلي وأغلالي وقرنائي، ثم لأكونن إلى مقعدي من جهنم أهدى مني اليوم إلى بيتي، ثم ليصيبني من سمومها وحميمها حتى أبعث.حلية الأولياء

عن أبي وائل قال: لما ثقل حذيفة - أتاه أناس من بني عبس، فأخبرني خالد بن الربيع العبسي قال: أتيناه وهو بالمدائن، حتى دخلنا عليه جوف الليل؛ فقال لنا: أي ساعة هذه؟ قلنا: جوف الليل ـ أو: آخر الليل ـ؛ فقال: أعوذ بالله من صباح إلى النار؛ ثم قال: أجئتم معكم بأكفان؟ قلنا: نعم؛ قال: فلا تغالوا بأكفاني، فإنه إن يكن لصاحبكم عند الله خير: فإنه يبدل بكسوته كسوة خيراً منها، وإلا: يسلب سلباً.حلية الأولياء

-يروي القاضي إبراهيم بن الجراح الكوفي موقفًا جميلاً لأستاذه الإمام أبي يوسف القاضي، فيقول: مرض أبو يوسف فأتيتُه أعوده، فوجدته مُغمًى عليه، فلما أفاق قال لي: يا إبراهيم؛ ما تقول في مسألةٍ؟ قلتُ: في مثل هذه الحالة؟! قال: ولا بأس بذلك؛ ندرس لعله ينجو بها ناجٍ! ثم قال: يا إبراهيم، أيما أفضل في رمي الجمار -أي في مناسك الحج- أن يرميها ماشيًا أو راكبًا؟ قلتُ: راكبًا. قال: أخطأت. قلتُ: ماشيًا. قال: أخطأت. قلتُ: قُلْ فيها، يرضى الله عنك!! قال: أمّا مَنْ كان يُوقَف عنده للدعاء، فالأفضل أن يرميه ماشيًا، وأما ما كان لا يوقَف عنده، فالأفضل أن يرميه راكبًا. قال: ثم قمتُ من عنده، فما بلغت باب الدار حتى سمعتُ الصراخ عليه، وإذا هو قد مات رحمه الله. العرف الشذي