الدنيا للمؤمن والكافر

الدنيا للمؤمن والكافر
هوان الدنيا ودناءتها
الدنيا لدناءتها للمؤمن والكافر يقول ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافر شربة ماء ) رواه الترمذي، فهي لا تستحق أن يخص بها المؤمنون دون الكافرين، فالله خص المؤمنون بما هو خير منها كلها ، فخصهم في الدنيا بتوحيده ومعرفته وذكره وتقواه، وخصهم في الآخرة بجنته ورضاه ورحمته.
لولا فتنة الناس لكانت الدنيا للكافر
بل إن الله أخبرنا أنه لولا فتنة الناس وكفرهم كلهم لتعلقهم بالدنيا لجعل الدنيا للكافرين من دون المؤمنين!، بل ولجعل لبيوتهم سقفاً ودرجاً وأبواب وسرر من فضة، وأعطاهم من زخرف الحياة وذهبها، لكن لضعف الناس وشدة تعلقهم بالدنيا وحتى لا يكفروا كلهم لم يجعل متاع الدنيا خاصاً بالكافرين وخص المتقين المؤمنين بالأخرة ( وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا ۚ وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)) [الزخرف]
يقول الشيخ السعدي في تفسيره: " وأعطاهم ما يشتهون، ولكن منعه من ذلك رحمته بعباده خوفا عليهم من التسارع في الكفر وكثرة المعاصي بسبب حب الدنيا، ففي هذا دليل على أنه يمنع العباد بعض أمور الدنيا منعا عاما أو خاصا لمصالحهم، وأن الدنيا لا تزن عند اللّه جناح بعوضة، وأن كل هذه المذكورات متاع الحياة الدنيا، منغصة، مكدرة، فانية، وأن الآخرة عند اللّه تعالى خير للمتقين لربهم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، لأن نعيمها تام كامل من كل وجه، وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون، فما أشد الفرق بين الدارين".
فبين سبحانه في هذه اللآيات هوان الدنيا وزهادة أعراض الحياة الدنيا على الله; وأن ما يعطاه الفجار منها لا يدل على كرامة لهم عند الله، ولا يشير إلى فلاح; وأن الآخرة عند ربك للمتقين، فهي خير لهم وابقى فاصطفاها لعباده المتقين وخصهم بها دون غيرهم.
الآخرة للمتقين
فالآخرة خاصة للمتقين لا يشاركهم فيها الكفار أبداً فلا ينبغي أن نفتن بدنيا منغصة زائلة عن آخرة صافية باقية، ولذا لما رأى عمر  رسول الله على رمال حصير قد أثر بجنبه فابتدرت عيناه بالبكاء وقال : يا رسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه. وكان رسول الله  متكئا فجلس وقال : " أوفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ " ثم قال : " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟"، وفي رواية أخرى أن عمر  قال: ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم وُسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله"، وكان متكئا فقال:  أو في شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيّباتهم في الحياة الدنيا ) متفق عليه )، ولذا يقول  (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة) متفق عليه.
فالدنيا لم يختصها الله للمؤمنين لدناءتها بل حثهم الله على الزهد فيها والتعلق بالآخرة وما ينجي فيها، فغاية الدنيا أنها دار ابتلاء ليصل المؤمنون للآخرة التي اخلصها لهم دون غيرهم فيفوزا بجنة الله ورضاه والنظر إليه سبحانه، فينعموا نعيماً لا ينفد وسعادة لا تزول في حياة أبدية لا ينغصها موت ولا كدر ولا مرض ولا حزن، أما الكافر فتشغله الدنيا الزائلة ومتاعها بكدرها ومرضها وحزنها لتنتهي بموت ينهي كل سعادة منغصة وكل لذة مكدرة (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (الجمعة: 8) ويلاقي نتيجة ما قدم (.. نار تلظى، لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى ) [الليل: 14-16]
لا تغرنكم الدنيا:
فعلى العاقل أن يتدبر ويختار وقد ضرب الله لنا الأمثال لنتذكر ( فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَىٰ، سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ، وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ، الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ ، ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَ ) [الأعلى: 9-13]