ثمن الجنة والطريق الموصل إليها

ثمن الجنة والطريق الموصل إليها

ثمن الجنة

أن تكون لله هذا هو ثمن الجنة (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) [التوبة:111 جاء في تفسير ابن كثير في شرح هذه الآية (يخبر تعالى أنه عاوض من عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم - إذ بذلوها في سبيله - بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنه قبل العَوْض عما يملكه بما تفضل به على عبيده المطيعين له. ولهذا قال الحسن البصري وقتادة: بايعهم واللّه فأغلى ثمنهم، وقال شمر بن عطية: ما من مسلم إلا وللّه عزَّ وجلَّ في عنقه بيعة وفّى بها أو مات عليها، ثم تلا هذه الآية، وقال عبد اللّه بن رواحة رضي اللّه عنه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعني ليلة العقبة: اشترط لربك ولنفسك ما شئت فقال: (أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم)، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: (الجنة)، قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت: {إن اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم} الآية، وقوله: {يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون} أي سواء قَتَلوا أو قُتلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنة، ولهذا جاء في الصحيحين: (تكفّل اللّه لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي وتصديق برسلي بأن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة)
ثمن الجنة هو العمل الصالح {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32]. هؤلاء الصابرين المنفقين الذين يتبعون بالحسنة السيئة قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:22-24]. قال الله تعالى: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ} [السَّجْدَة:19].
ذلك الثمن من العمل الصالح لا يكفي ابدا إنما هي رحمة الله للمتقين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لن يُدخِلَ أحدًا عملُهُ الجنَّةَ»، قالوا: ولا أنتَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: «لا، ولا أنا، إلَّا أن يتغمَّدَنِيَ اللَّهُ بِفَضلٍ ورَحمةٍ، فسدِّدوا وقارِبوا، ولا يَتمَنَّيَنَّ أحدُكمُ الموتَ: إمَّا مُحسِنًا فلعلَّهُ أن يزدادَ خَيرًا، وإمَّا مُسيئًا فلعلَّهُ أن يَستَعتِبَ» (رواه البخاري
 
الطريق الموصل إليها
الإيمان بالله تعالى والعمل الصالح هو الطريق للجنة قال الله تعالى: {من عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر:40].
{وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء:124]. قال عزّ وجلّ {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]. يستوي في ذلك الرجال والنساء {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا.
ـ اجتناب الذنوب وخاصة الكبائر «من مات وهو بريء من ثلاث: الكبر، والغلول، والدّين دخل الجنة». رواه الترمذي وقال صلى الله عليه وسلم «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة» (رواه البخاري).
ـ تحري الصدق في القول والعمل والحياة عموما «إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة» (رواه البخاري).
ـ التقرّب إلى الله بالنوافل «ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة». رواه أبو داود.
الطريق للجنة ببساطة شديدة أن تؤمن بالله تعالى ويصدق عملك إيمانك فتتقرب لله بالطاعات وتنشر السلام والسكينة بين الناس وتقدم لهم يد العون والمساعدة و وهي إفشاء السلام بين الناس وإطعام الطعام وقيام الليل مِصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلّوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» (رواه الترمذي).
ومن أهم ما يدخل الجنة عبادات وأعمال القلوب التي نغفل عنها كثيراً، وذكر الله واللهج به الذي نفتر عنه كثيراً:
فلا يمكن أن نتحدث عن الجنة ولا نتحدث عن ألوان من العبادات الخاصة المرتبطة بها ومن ذلك العبادات القلبية التي عليها مدار العمل كله {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} 0 العاديات:9) ويقول جل شأنه: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}(الطارق:9)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذه العبادات [فإن الأعمال تتفاضل بتفاضل ما في القلوب من الإيمان والإخلاص، وإن الرجلين ليكون مقامهما في الصف واحداً، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض] أو كما يقول ابن القيم في إغاثة اللهفان: [فواجبات القلوب أشد وجوباً من واجبات الأبدان وآكد منها، وكأنها ليست من واجبات الدين عند كثير من الناس، بل هي من باب الفضائل والمستحبات، فتراه يتحرَّج من تركِ واجب من واجبات الأبدان، وقد ترك ما هو أهمّ واجبات القلوب وأفْرَضها، ويتحرج من فعل أدنى المحرمات، وقد ارتكب من محرمات القلوب ما هو أشد تحريماً وأعظم إثماً] ويقول في بدائع الصنائع مبيِّناً أهمية أعمال القلوب في حديثه عن النية وأهميتها: [وإنما هي الأصل المراد المقصود، وأعمال الجوارح تبعٌ ومكملة ومُتممةٌ، وإن النية بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد والأعضاء، الذي إذا فارق الروح فموات، وكذلك العمل إذا لم تصحبه النية فحركة عابث. فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح؛ إذ هي أصلها، وأحكام الجوارح متفرعة عليها] فالإخلاص والتوكل والإنابة والخشية والرجاء كل هذه أعمال قلبية تشبه الأساس العميق الذي تبنى عليه كل الأعمال الجسدية.
العبادات السهلة الذكر
ومن العبادات السهلة اليسيرة التي يمكن أن ترتفع بفاعلها للفردوس الأعلى عبادة الذكر قال الله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]. "قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي قَوْلِهِ: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾، قَالَ: اذْكُرُونِي فِيمَا افْتَرَضْتُ عَلَيْكُمْ أَذْكُرْكُمْ فِيمَا أَوْجَبْتُ لَكُمْ عَلَى نَفْسِي، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: اذْكُرُونِي بِطَاعَتِي أَذْكُرْكُمْ بِمَغْفِرَتِي"؛ (تفسير ابن كثير)
الذكر يعني طمأنينة القلب قال سُبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]. قَال الشيخ أحمد مصطفى المراغي رحمهُ اللهُ: "قوله: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾؛ أي: ألا بذكر الله وحده تطمئنُّ قلوب المؤمنين، ويزول القلق والاضطراب من خشيته، بما يفيضه عليها من نور الإيمان الذي يذهب الهلع والوحشة"؛ (تفسير المراغي).
وذكر الله تعالى مرتبط بالكثرة والتكرار والمداومة قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42].
 
  • قَال الإمامُ القرطبي رحمهُ اللهُ: "أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِأَنْ يَذْكُرُوهُ وَيَشْكُرُوهُ، وَيُكْثِرُوا مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَجَعَلَ تَعَالَى ذَلِكَ دُونَ حَدٍّ؛ لِسُهُولَتِهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلِعِظَمِ الْأَجْرِ فِيهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُعْذَرْ أَحَدٌ فِي تَرْكِ ذِكْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ" روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي، فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) (رواه البخاري).
إنها أسهل عبادة يمكن لإنسان فعلها حتى لو كان شيخا طبيرا أو مريضا مقعدا فعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: ((لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) رواه الترمذي وعلى الرغم من بساطتها ترفع الإنسان لأعلى الدرجات فعنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟)) قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ((ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) متفق عليه وينبغي اغتنام الأيام المباركة في المزيد من الذكر والعبادة كرمضان والعشر الأوائل من ذي الحجة وكيوم الجمعة والساعة الأخيرة منه ونحو ذلك
على أن العبادات الخاصة التي ينبغي السعي ورائها كثيرة وينبغي التفكر فيها ومن ذلك عمارة الكون وإصلاح المجتمعات بدءا من الأسرة