سعادة القلب.. أول جنة يدخلها المؤمن!

!سعادة القلب.. أول جنة يدخلها المؤمن

يظن بعض الناس أن الإيمان شقاء وكدر، ولا يدرون أنه جنة من يلم يتذوق حلاوتها لم يذق جنة الآخرة، إنها جنة الإيمان.

ويقول النبي  e  : «ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً» (رواه مسلم)، وهذه هي جنة المؤمن العاجلة، كما أنه لا نعيم ولا فوز بالآخرة إلا بجواره سبحانه وتعالى في دار النعيم في الجنة الآجلة.


والإيمان والعمل الصالح هو طريق السعادة في الدنيا قال تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ ]النحل:97[ وقال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ ]الأحقاف:13[، وهو ما قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية: " من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية".[ابن القيم- مدارج السالكين: 1/454]

 

أحضر قلبك أولا

من أراد السعادة الحقة فعليه بإحضار قلبه أولا، والعمل الصالح لوجه الله، ودوام الذكر والدعاء.
وسعادة القلب وأنسه وطمأنينته وراحته وسعادته في الدنيا لا يكون إلا بعمل القلوب؛ فالذكر يطمئن القلوب كما قال سبحانه:{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] لكنه الذكر الذي يصاحبه أعمال القلوب «فإن الله لا يستجيب من عبد ذاكر لاه» (رواه الترمذي وأحمد).

وذكر الإمام الرازي أن الأمة قد أجمعت على أن الدعاء اللساني الخالي عن الطلب النفسي قليل النفع عديم الأثر ؛ ويجزم الفقيه يحيى بن معاذ بأن "من جمع الله عليه قلبه في الدعاء لم يرده" [ابن القيم- الفوائد:62]،وقال ثابت بن أسلم البناني: وإني أعلم حين يستجيب لي، فعجبوا من قوله، وقالوا: كيف؟ قال: إذا وجل قلبي واقشعر جلدي وفاضت عيناي وفتح لي الدعاء.

 

جنة الإيمان

يقول الله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4]

وتلك السكينة هي إحدى ثمرات إيمان القلب ومعرفته بالله؛ وهي التي قال أحد الصالحين أنه لو علم بها الملوك لبارزونا عليها بالسيوف، هي سعادة النفس.

 ومن أراد سعادة الدنيا فليعمر قلبه بأعمال القلوب اخلاصاً ومحبة ورجاءً لله وتوكلاً عليه فأنوار هذه العبادات القلبية تبدد كل هم أو حزن أو ضيق، فهم في جنة في الدنيا قبل جنة الأخرة كما قال ابن تيمية (إنّ في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، قالوا: وما هي؟ قال: إنها جنة الإيمان)

 

ويستغرب المؤمنون من يعيش في هم وغم وحزن وهو يستطيع أن يعيش في جنة الدنيا؛ قال مالك بن دينار رحمه الله: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل له وما أطيب ما فيها، قال، معرفة الله عز وجل ومحبته"..

 

قال ابن القيم : "هناك محبتان. محبة هي جنة الدنيا، وسرور النفس، ولذة القلب، ونعيم الروح، وغذاؤها ودواؤها، بل حياتها وقرة عينها، وهي محبة الله وحده بكل القلب. ومحبة هي عذاب الروح، وغم النفس، وسجن القلب، وضيق الصدر، وهي سبب الألم والنكد والعناء، وهي محبة ما سواه سبحانه" [ابن القيم- زاد المعاد]

 

جنة الآخرة للمتقين

يقول الحق تعالى: {وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}[ محمد: 6] فالله قد عرف الجنة للمتقين يوم كانوا في الدنيا، ببشائر السكينة والطمأنينة والأمن والإيمان.

ولا ينجي ويسعد المرء في آخرته إلا القلب وعمله، وفي القرآن الكريم نقرأ مناجاة أبوالأنبياء إبراهيم عليه السلام: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ*يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ*إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 86:89]

 

 قال القرطبي رحمه الله: "خُص القلب بالذكر لأنه الذي إذا سلم سلمت الجوارح، وإذا فسد فسدت سائر الجوارح"

 

فالعبرة بما في القلوب من توحيد وإخلاص ومحبة وتوكل ويقين وخوف ورجاء وعبودية وتقوى.

 

ولذا علق الله النجاة والفلاح والسعادة في الآخرة في عدد كبير من الآيات بـ (آمنوا وعملوا الصالحات) ولا شك أن أعمال القلوب من الإيمان بل أصله وجوهره وأن أعمال القلوب من العمل الصالح بل أفضله وأهمه.