محبة الله.. حقيقة الإيمان والطريق لظل عرش الرحمن

ما هي المحبة؟ وما تعريفها ومفهومها؟
محبة الله أول ما يقذف في قلبك من نور الحق.. هي حقيقة الإيمان وروحه.. بدونها تكون العبادة مشقة.. بدونها تفتقد جوهر الإخلاص الذي هو توحيد الله عمن سواه.. وبدونها تكون الأعمال جوفاء بلا معنى ولا أثر في الدنيا 
أو الآخرة، مهما ارتدت ثوب الصلاح!

فبالمحبة وللمحبة وجدت الأرض والسموات وعليها فطرت المخلوقات ولها تحركت الأفلاك في الملكوت، وبها نالت النفوس الحياة الطيبة وذاقت طعم الإيمان، واتخذت إلى ربها سبيلا [ابن القيم- روضة المحبين: 1/3]

والله كريم وعليم.. وقد قدم محبته لعباده على محبتهم؛ يقول في كتابه {.. فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ..} [المائدة: 54].. فأن تحب ربك يعني أنه أذن لك بهذا الشرف الذي تنفتح له القلوب.

 ويقول العلماء: إِذَا غُرِسَتْ شجرة المحبة فِي الْقَلْبِ، وَسُقِيَتْ بِمَاءِ الإخلاص، ومتابعة الحبيب محمد، أثمرت أنواع الثمار وآتت أكلها كل حين بإذن ربها.. فشجرة المحبة أصلها في قرار القلب وفرعها متصل بشدرة المنتهى في جنة الخلد. [ابن القيم- مدارج السالكين]

وماذا عن حال عبد محب لربه، يتقرب إليه بالطاعات؟ نستمع لقول النبي في حديث قدسي: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ. فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ». [رواه البخاري] فهنا تمام ولاية الله وحمايته وتوفيقه للبشر المؤمنين المحبين.

فما هي محبة الله للعبد؟ ومحبة العبد لربه؟ وما علامات المحبين؟ وما علاقة المحبة بأعمال القلوب؟ وما درجاتها بين العباد؟ وما ثمرة محبة الله في الدنيا والآخرة؟ وأخيرأ وهو الاهم: كيف نصل إلى محبة الله؟..

ما هي المحبّة؟

المحبة في اللغة

 مَحَبَّةٌ من مادة [ ح ب ب ]. ومَحَبَّةُ النَّاسِ: تقديم الْحُبُّ، الْمَوَدَّةُ، الصَّدَاقَةُ [المعجم الغني]

والحبُّ نقيضُ البغْضِ. وأصل هذه المادة يدلُّ على لزوم المحب لمن أحب. [ابن منظور 1/290]

ولهذا جاء في تعريفات المحبة أنها: ميل النفس إلى ما تراه وتظنه خيرًا [الذريعة لمكارم الشريعة: 256]

محبة الله اصطلاحا

للمحبة العديد من المفاهيم الشرعية التي تحدث بها العلماء ومنها:

  • حقيقة المحبة ألا ترى شيئا سوى محبوبك، ولا ترى سواه لك ناصرا ولا معينا، ولا تستغني بغيره عنه [يحيى بن معاذ]
  • المحبة هي صَفَاءُ الْوِدِّ مَعَ دَوَامِ الذِّكْرِ [سمنون]
  • المحبةُ الصحيحةُ تقتضِي المتابعةَ والموافقةَ في حبِّ المحبوباتِ وبغضِ المكروهات [ابن رجب الحنبلي]
  • المحبة تعلق القلب بين الهمة والأنس. [ابن القيم الجوزية]
  • (تعني تعلق قلب العبد بربه المقترن بعزمه لفعل الطاعات، مستأنسا بالله وحده ومستعينا به، وتشمل تلك المحبة بذل النفس للخالق المحبوب ومنعها عن غيره) [ابن القيم- مدارج السالكين]

مفهوم المحبة في القرآن

ثبت في القرآن حب الله تعالى للإنسان، وحب الإنسان لله، يقول الله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]

والمحبة الشرعية ليست مجرد عاطفة متعلقة بالوجدان وحده، وإنما هي متعلقة بالوجدان والعاطفة، والعقل والإرداة، والعمل: عمل القلب، وعمل الجوارح؛ إذ أنها جزء مهم من الإيمان، قال شيخ الإسلام ابن تيمية "أصل الإيمان العملي هو حب الله تعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحب الله هو أصل التوحيد العملي وهو أصل التأليه الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، فإن العبادة أصلها أكمل أنواع المحبة مع أكمل أنواع الخضوع وهذا هو الإسلام''. وقال: ''أصل الإشراك العملي في الله الإشراك في المحبة، كما قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّه) (البقرة:165)

وفي القرآن تأتي مفردة الحب والمحبة ومشتقاتها مرتبطة بعدة معاني:

  • إثبات لصفة الحب عند الله، فهو { الْغَفُورُ الْوَدُودُ}[البروج: 14].
  • إثبات لمحبة الله للمؤمنين وتفنيد لصفاتهم ومن أهمها: المحسنون، والمتقون، والصابرون، والمتوكلون، والمقسطون، والتوابون، المُتطهِّرون، ومن ذلك قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 13]، وقوله: { بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}[آل عمران: 76].
  • ملازمة المحبة لأفعال العباد المؤمنين ومنها قول الله عن المجاهدين: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ }[الصف: 4]
  • علامة محبة العبد لله ورسوله هي صدق الاتباع: يقول سبحانه: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }[آل عمران: 31]
  • ومن الآيات ما يشير لتأليف الله قلوب البشر وبخاصة المؤمنين، يقول الله: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا }[مريم: 96]، والله قد زين الإيمان وحببه لعباده المؤمنين، يقول: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ}[الحجرات: 7]
  • إثبات لعدم محبة الله لصفات الظلم في العباد ومنها: المعتدون، والظالمون، والمفسدون، والمسرفون، والمستكبرون، والخائنون، والكافرون والفرحون، ومن ذلك قوله تعالى: { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ }[الأعراف: 55]
  • إثبات للمحبة الفطرية في البشر، وأن الإنسان مجبول على حب الخير، يقول الله: { وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ }[العاديات: 8]، ويقول:{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }[ سورة الإنسان الآية: 8 ] فالإنسان يحب الطعام ويحب الحب الغريزي الفطري بين الرجل والمرأة ويحب الخير عموما، ولكن يجب ألا يشغله ذلك عن ذكر ربه فيسرف في تلك المحبة او يوجهها لخارج النطاق الحلال، ولهذا يقول الله: { قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }[التوبة: 24]
  • إثبات لشرك من يحب مخلوق كحب الله، يقول الله: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة: 165]
  • إثبات لصفات الجاهلين الذين باعوا آخرتهم وارتضوا متاع الدنيا الفاني، يقول الله: {إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا} [الإنسان: 27]