أمان وطمأنينة وجنتان.. ثمرات الخوف من الله

أمان وطمأنينة وجنتان.. ثمرات الخوف من الله
فضيلة كل شيء بقدر إعانته على طلب الفلاح في الدنيا والآخرة عند لقاء الله تعالى والقرب منه، فكل ما أعان على ذلك فهو فضيلة يقول الله: { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ }[الرحمن: 46]
 

ولقد امتدح الله سبحانه عباده الذين يخشونه بالغيب ويخافون عذابه ويقدرون قدرته وجلاله، ووصفهم بالسابقين، ورضى عنهم، ومنحهم أمانه وجنته، يقول الله: { جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }[البينة: 8]

 

فالخوف يعني تعقل صاحبه، بخشيته من الله ومعاقبته، يقول الله: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ*الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ*وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد: 18-21]

 

فما هي ثمرات الخوف من الله وخشيته سبحانه؟

 

مخافة الله من أسباب التمكين في الأرض

 

{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ.وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}[إبراهيم: 14] فالعاقبة الحسنة التي جعلها الله للرسل ومن تبعهم جزاء { لِمَنْ خَافَ مَقَامِي } عليه في الدنيا وراقب الله مراقبة من يعلم أنه يراه، { وَخَافَ وَعِيدِ } أي: ما توعدت به من عصاني فأوجب له ذلك الانكفاف عما يكرهه الله والمبادرة إلى ما يحبه الله. فالتمكين في الأرض أشد مطالبنا التي نطالب وننادي بها لكن لا نعرف الطريق الذي يوصلنا لها.

 عاقبة مخافة الله الرزق بغير حساب وزيادة فضل الله

 

يقول الله عن الذين:{ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:37-38]

 ظل عرش الرحمن لمن يخافه

 

يقول النبي "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ في ظِلِّهِ، يَومَ لا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَادِلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ في خَلَاءٍ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسْجِدِ، وَرَجُلَانِ تَحَابَّا في اللَّهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ إلى نَفْسِهَا، قالَ: إنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فأخْفَاهَا حتَّى لا تَعْلَمَ شِمَالُهُ ما صَنَعَتْ يَمِينُهُ".[رواه البخاري]

 أمان الله في الآخرة لمن يخافه 

 

الخوف من الله يوجب أمان الله للخائف في الآخرة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم محدثا عن ربه تبارك وتعالى «وَعِزَّتِي، لاَ أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ: إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا، أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» [رواه ابن حبان، وقال الألباني حسن صحيح]. فقد أوضح الحديث أن من خاف الله في الدنيا وهذا الخوف حجزه عن محارم الله، فقد دخل في زمرة المبشرين بأمان الله في الآخرة.. وما أدراك ما الآخرة؟!

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ في سَبِيلِ اللَّهِ".[رواه الترمذي]

رضى الله والوعد بالجنة لمن يخاف ربه

 

وهذه البشرى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ}[الرحمن: 46] وقال تعالى: { رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }[البينة:8] كيف حصل هذا الفريق على هذا النعيم؟: إنه بالخوف من الله في الدنيا في سرّه وعلانيته، فاتقاه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه

 

يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ *جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ}[البينة:8].

 

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الجَنَّةُ» (رواه الترمذي)

هداية الله لمن يخافه

 

يقول الله: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}[التوبة:18]

 

الفوز والفلاح لمن يخاف الله

 

يقول الله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[النور:52]

المغفرة وعد لمن يخاف ربه

قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }[الملك:12]

 

يقول النبي: كَانَ الْكِفْلُ مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ لاَ يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ عَمِلَهُ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَعْطَاهَا سِتِّينَ دِينَارًا عَلَى أَنْ يَطَأَهَا فَلَمَّا قَعَدَ مِنْهَا مَقْعَدَ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَتِهِ أُرْعِدَتْ وَبَكَتْ فَقَالَ مَا يُبْكِيكِ أَأَكْرَهْتُكِ قَالَتْ لاَ وَلَكِنَّهُ عَمَلٌ مَا عَمِلْتُهُ قَطُّ وَمَا حملني عَلَيْهِ إِلاَّ الْحَاجَةُ فَقَالَ تَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا وَمَا فَعَلْتِهِ (أي الدنانير) اذهبي فهي لَكِ. وَقَالَ لاَ وَاللَّهِ لاَ أَعْصِى اللَّهَ بَعْدَهَا أَبَدًا. فَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ مَكْتُوبًا عَلَى بَابِهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لِلْكِفْلِ. [رواه أحمد والترمذي]

 

نور العلم من بركات مخافة الله

من لا يخشى الله تعالى ولا يتقه فإن الله تعالى يحجب عنه نور العلم والبصيرة قال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ}[فاطر:28]

قال ابن مسعود t ( لَيْسَ الْعِلْمُ بِكَثْرَةِ الرَّوِايَةِ ، إِنَّمَا الْعِلْمُ الْخَشْيَةُ )

وروي أن الإمام الشافعي رحمه الله لما جلس بين يدي إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله ورأى عليه مخايل النجابة والذكاء بادية، وأعجبه وفورُ عقله وكمال حفظه قال له ناصحا: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية.

والشافعي رحمه الله هو القائل في الأبيات التي سارت بين طلبة العلم مسير الشمس:

 

شكوتُ إِلى وكيعٍ سوءَ حِفظي * * * فأرشدني إِلى تَرْكِ المعاصي
 

وأخبرني بأن العلمَ نورٌ * * * ونورُ اللّهِ لا يُهدى لعاصي

الخوف ينقي القلب ويكدر المعصية ويقمع الشهوة في نفسك

من ثمرات الخوف أن يقمع الشهوات ويكدّر اللذات المحرمة، فتصير المعاصي المحبوبة عنده مكروهة مكدرة.

 

قال ابن القيم –رحمه الله-: كما يصير العسل مكروهاً عند من يشتهيه إذا علم أن فيه سمّاً، فتحترق الشهوات بالخوف وتتأدب الجوارح و يذل القلب ويستكين ويفارقه الكبر والحقد والحسد ويصير مستوعب الهم لخوفه والنظر في خطر عاقبته فلا يتفرغ لغيرع ولا يكون له شغل إلا المراقبة والمحاسبة والمجاهدة والظنّة(البخل) بالأنفاس واللحظات ومؤاخذة النفس في الخطرات والخطوات والكلمات ويكون حاله (الخائف) كم وقع في مخالب سبع ضار لا يدري أيغفل عنه فيفلت أو يهجم عليه فيهلكه ولا شغل له إلا ما وقع فيه، فقوة المراقبة والمحاسبة بحسب قوة الخوف وقوة المعرفة بجلال الله تعالى وصفاته وبعيوب نفسه وما بين يديها من الأخطار والأهوال.[ابن قدامة- مختصر منهاج القاصدين:291:]