الخوف من الله..مفتاح الأمان في الدنيا والآخرة

الخوف من الله..مفتاح الأمان في الدنيا والآخرة

الله رحيم، ومن تمام رحمته أنه يشمل الواقفين على بابه ويمنحهم أسباب الوصول لجنته؛  هؤلاء الذين يخشون ربهم إجلالا لمقامه ورهبة من وعيده للعصاة وطمعا في مغفرته للذنوب .. هؤلاء فقط يهديهم ربهم للطريق الآمن، فلا يهابون مخلوقا وقد سكن الخوف من الخالق في القلب، هؤلاء فقط مجابو الدعوات، هؤلاء ورثة الأرض بعد الظالمين، وهم من يظلهم الله بظله يوم القيامة، ينجيهم من الفزع الأكبر، ويرزقهم جنتين في الأعالي لا يخطو فيهما إلا عباد الله المقربين.

 

يقول الله : {إن الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك:12]، فالخوف إذا كان صادقا أوجب على الخائف أداء فرائض الله،وترك محارمه ، والمسارعة إلى كل خير؛ ولهذا كان النبي e وصحابته هم أكثر هذه  الأمة خوفًا لربهم، رغم ما وعدوا به من غفران؛ وقد علموا أن ربهم واسع الرحمة، ولكنه أيضا شديد العذاب، ولا يأمن عذابه إلا الجاهلون.

 

ومن رحمة الله، أنه يحذر عباده من السقوط في مزالق شهواتهم التي تزينها الشياطين وينسون طريق الحق، فيقول الله: { وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران: 28] ، وناداهم: { وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56]، يقول الله عن العابدين التاركين لمكاسب الدنيا لأجل تجارة رابحة مع ربهم: {يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37]، أما مكافأتهم الكبرى فيقول الله عنها:{لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 38]

 

يقول النبي e  «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة» ]رواه الترمذي[ (أدلج بمعنى نشط في سيره إلى الله، والمنزل بمعنى المأمن من الله؛ فمن صح خوفه صح عزمه في طلب أسباب محبة الله) [ابن باز]

 

فما هو الخوف من الله، وكيف وصفه العارفون بالله، وما منزلته وحكمه بين الفرائض، ودرجاته بين الناس، وما الطرق المؤدية لهذا الخوف الصادق من الله، وما ثمرة الخوف في سلوكيات العبد وقلبه، ثم جزائه عند الله تعالى.. لنتابع

ما معنى الخوف من الله؟

الخَوْفُ لغة

عرف العرب الخوف بأنه فزع القلب واضطرابه، فيقال: خافَه يخافُه خَوْفاً وخِيفةً.( لسان العرب:9/99،ومعجم المقاييس :336)

الخوف من الله

 
  • "ما حجز العبد عن محارم الله"(ابن تيمية )

  • توقع مكروه أو فوت محبوب، قال التفتازاني: غم يلحق الإنسان مما يتوقعه من السوء [ التوقيف على مهمات التعاريف(1/161)- المناوي]

  • الخوف هو الانخلاع من طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر: يعني الخروج عن سكون الأمن باستحضار ما

    أخبر اللّه به من الوعد والوعيد.[مدارج السالكين لابن القيم – (1/512)]

  • توقّع العقوبة على مجاري الأنفاس، وهو اضطراب القلب وحركته من تذكّر المخوف.(أبو القاسم الجنيد)

  • الخوف قوّة العلم بمجاري الأحكام، وهذا سبب الخوف، لا أنّه نفسه، وهو هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره.[مدارج السالكين -لابن القيم (1/507)]

  • الخوف اضطراب القلب وحركته من تذكر المخوف.

  • الخوف هرب القلب من حلول المكروه عند استشعاره.

 

مفهوم الخوف في القرآن

ورد في القرآن الخوف على خمسة وجوه: [لفيروزابادي -بصائر ذوي التمييز: 2/ 578]

الأَوّل: بمعنى القتل والهزيمة {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ} [النساء: 83], {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ} [البقرة: 155] أي: القتل.

 

الثاني: بمعنى الحرب والقتال {فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19] أي: إِذا انجلى الحرب {فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} [الأحزاب: 19] أي: الحرب.

 

الثالث: بمعنى العلم والدّراية {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً} [البقرة: 182] أي: عِلم {إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ} [البقرة: 229] أي: يعلما {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي اليتامى} [النساء: 3] أي: علمتم.

 

الرّابع: بمعنى النقص {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} [النحل: 47] أي: تنقُّص.

 

الخامس: بعني الرُّعب والخشية من العذاب والعقوبة: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة: 16] وهو المقصود هنا

 

حقيقة وجوهر الخوف من الله

الخوف أكبر منازل العبودية وبتحققه يورث العبد الصدق، فقد كان عمر بن عبد العزيز في سفر مع سليمان بن عبد لملك، فأصابهم السماء برعد وبرق، وظلمة، وريح شديدة، حتى فزعوا لذلك وجعل عمر بن عبد العزيز يضحك، فقال له سليمان: ما يضحكك يا عمر؟ أما ترى ما نحن فيه؟ فقال له يا أمير المؤمنين هذا آثار رحمته فيها شدائد ما ترى فكيف بآثار سخطه وغضبه. [ابن كثير البداية والنهاية 5/201]

 

وحقيقة الخوف مستقرة في القلب، ورغم أن القلب اتحد شكله عند كل البشر، فقد اختلفت حقيقته بعدد البشر. فهذا طبيب أتاه رجل فقال: عالج مرضي يرحمك الله فقال الطبيب: خذ عرق الفقر وورق الصبر مع إهليلج التواضع، واجمع الكل في إناء اليقين، وصب عليه ماء الخشية، وأوقد تحته نار الحزن، ثم صفه بمصفاة المراقبة في جام الرضا، وامزجه بشراب التوكل، وتناوله بكف الصدق، واشربه بكأس الاستغفار وتمضمض بعده بماء الورع واحتم عن الحرص والطمع فإن الله يشفيك إن شاء الله.[الكشكول للعاملي(1/6)]

 

ويتسع المقام للتفرقة بين الإشفاق والخشية: فالخشية خوف بعلم { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:28] وفيها سكون. والإشفاق خوف برقة.

 

جوهر الخوف من الله مغاير لمنهج الخوف في أذهاننا فإننا إذا خفنا أي مخلوق فإننا نفر منه إلا الخوف من الله؛ فكلما زاد خوفك من الله كلما زاد قربك لله وكلما انقاد قلبك لأوامره سبحانه وتعالى، وهو سبحانه الذي يفر المرء إليه، فكل ممن خفته تفر منه إلا الرحيم سبحانه!، (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) (الذاريات: 50)

هل الخوف من الله مقصود لذاته؟

والخوف ليس مقصوداً لذاته، ليس المقصود أن نخاف لأجل أن نخاف بل نخاف ليكون الخوف وسيلة تصلح أحوالنا.

لو كان الخوف مقصوداً لذاته لما ذهب عن أهل الجنة!!، فليس فيها عمل ولا اجتهاد في العبادات ومقاومة للهوى والشهوات كان الخوف من أهلها ذاهب { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }[الأحقاف: 13](ابن القيم، المدارج، بتصرف)

الفرق بين الخوف والخشية والرهبة والإجلال

الخوف والخشية والرهبة ألفاظ متقاربة لكنها غير مترادفة، فالخشية: أخص من الخوف وأعلى فإن الخشية للعلماء العارفين بالله فهي خوف مقرون بمعرفة، والخوف حركة والخشية انجماع وانقباض وسكون، وكلما زادت معرفة الإنسان بالله زادت خشيته قال تعالى (نَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر:28)

 

والرهبة : هي الإمعان في الهرب من المكروه وهي ضد الرغبة التي هي سفر القلب في طلب المرغوب فيه، وبين الرهب والهرب تناسب في اللفظ والمعنى يجمعهما الاشتقاق الأوسط الذي هو عقد تقاليب الكلمة على معنى جامع، فلفظ الرهبة يركز على حالة الهرب في الخوف، بينما الوجل: رجفان القلب وانصداعه لذكر من يخاف سلطانه وعقوبته أو لرؤيته، وهو يرطز على رجفان القلب وانصداعة.

 

والهيبة: خوف مقارن للتعظيم والإجلال وأكثر ما يكون مع المحبة والمعرفة، بينما الإجلال: تعظيم مقرون بالحب.

 

 فالخوف: لعامة المؤمنين، والخشية: للعلماء العارفين، والهيبة:( للمحبين، والإجلال: للمقربين) ابن القيم- مدارج السالكين، 1/ 512- 513، بتصرف.