الإخلاص .. كلمة السر لقبولك عند الله

الإخلاص .. كلمة السر الوحيدة لقبولك عند الله – تعريف الإخلاص – الإخلاص

الإخلاص .. كلمة السر لقبولك عند الله

هو عمل في القلب لا يعلمه إلا الله، فلا يراه العباد، من إنس أو جن أو ملائكة، وقد يجيء الرجل بجبال من الطاعات يوم القيامة، فتذهب هباءً، لأنها لا تحمل ذلك العمل القلبي، وهي الإخلاص لله وقصده وحده بكل طاعة، وتفريغ القلب من مراقبة المخلوقين والتوجه لله إلها وربا واحدا لا شريك له، وهو مقتضى قول لا إله إلا الله.

عن ‏ ‏أنس ‏ ‏أن رجلا أحب سورة الإخلاص، وقال : يا رسول الله إني أحب (‏ ‏قل هو الله أحد ) ‏ ‏فقال النبي ﷺ : (إن حبك إياها يدخلك الجنة) [رواه الترمذي]

وفي أكثر من موضع من كتاب الله العزيز، نرى بجلاء أن الإخلاص هو مفتاح دخول الجنة، وبدونه تحبط الأعمال، ومن ذلك قوله سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر: 2] فصلاح العمل من صلاح النية، وصلاح النية من صلاح القلب .

يقول النبي ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)[رواه البخاري]، وقد نقل النبي ﷺ لنا قول رب العزة سبحانه: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) (رواه مسلم) .

فما هو الإخلاص، وما حقيقته، وبم ينمو وبم يفسد، وماذا قال عنه الصالحون، وما فضله على المرء، وكيف نصل للقلب المخلص لله ؟ ..

ما هو الإخلاص لله ؟

الإخلاص لغة

الإخلاص من الخلاص، وتقول: خلص فهو خالص إذا صفا وزال عنه ما يشوبه،

فإذا قلت: أخلصَ الدينَ لله أي: قصد وجهه وترك الرياء، بمعنى أمحض الدين لله ونقاه، والمُخلِص هو الذي وحد الله خالصاً، والمُخلَص هو الذي اختصه الله أي: جعله مختاراً خالصاً من الدنس. [مقاييس اللغة:2/208]

ويقال خلص من ورطته: سلم منها، ويقال خلصه تخليصا: أي نجّاه. والإخلاص في الطاعة: ترك الرياء[المعجم الوسيط:1/249]

الإخلاص اصطلاحًا (شرعًا)

تعددت تعريفات العلماء للإخلاص، ودارت في مدار توحيد القصد والنية في كل سكنة او حركة لله سبحانه، والتفكر في هذه التعريفات مفيد لأن كل واحد ينظر إلى الإخلاص من زاوية، فمن ذلك:

  • هو إفراد الحق سبحانه بالقصد والطاعة
  • أن يكون العمل لله سبحانه لا نصيب لغير الله فيه
  • نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق
  • استواء عمل الظاهر والباطن[ابن القيم،مدارج السالكين:2/91]
  • هو التبري عن كل ما دون الله[الراغب-المفردات]
  • صدق النية مع الله تعالى [إبراهيم بن آدم، الاحياء، 4 / 474]
  • أن يكون سكون العبد وحركته لله تعالى خاصة [سهل التستري، تفسير القرطبي، 2 / 146]
  • سئل أحمد بن عاصم عن الإخلاص , قال: إذا عملت عملا صالحا فلم تحب أن تذكر به وتعظم من أجل عملك، ولا تطلب ثواب عملك من أحد سواه، فذلك إخلاص عملك ".
  • عن عطاء بن دينار الهذلي أن عبد الملك بن مروان، كتب إلى سعيد بن جبير فأجابه: " سألت عن الإسلام، فالإسلام الإخلاص، قال تبارك وتعالى لإبراهيم: {أسلم} [البقرة: 112] يقول: أخلص {من أسلم وجهه لله} [البقرة: 112] يقول: من أخلص دينه لله، وتسأل عن الإخلاص ؟ فالإخلاص أن يخلص العبد دينه وعمله لله فلا يرائي بعمله أحدا، ويكون ذلك في سبيل الحق كله فذلك الإخلاص " [المروزي-كتاب الصلاة"187].
  • يقول الفضيل بن عياض : " العمل لأجل الناس شرك وترك العمل لأجل الناس رياء والإخلاص أن يعافيك الله منهما " [البيهقي-شعب الإيمان]
  • الإخلاص أن لا يكون للناس أي حظ من العبادة، ولا يترك المتعبد شيئًا منها لأجلهم[شرح عمدة الأحكام لابن العطار].

بين الإخلاص والصدق 

الإخلاص هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة، أو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، وأما الصدق فهو التنقي من مطالعة النفس، فالمخلص لا رياء له، والصادق لا إعجاب له، ثم يذكر أن هذه الأمور بينها تلازم ولا انفكاك لأحدها عن الآخر[مدارج السالكين،سابق].

فالصدق : بذل الجهد ، والإخلاص : إفراد المطلوب.

وبعضهم يقول: إن الإخلاص لا يكون إلا بعد الدخول في العمل، وأما الصدق فيكون بالنية قبل الدخول فيه.

وصنف العلماء الصدق بأنه الأصل، والإخلاص متفرع منه[الجرجاني-التعريفات:14]

ويمكن أن نعبر عن الفرق بينهما بعبارة واضحة وهو أن يقال: إن الإخلاص هو أن تفرد الله بقصدك، وأما الصدق: فهو الموافقة بين الظاهر والباطن، هذا في الأعمال وفي الأحوال. [خالد السبت-درس الإخلاص:موسوعة القلوب]

يقول ابن القيم بأن الإخلاص هو توحيد مطلوبك، فلا يكون غير الله، قاصدا إياه من أي عمل، وهو ملازم للصدق بمعنى توحيد الإرادة مسبقا والنية قبل الشروع في العمل، ولا يؤتي الصدق والإخلاص ثمارهما إلا بمتابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم، فهذه الأركان الثلاثة:الإخلاص والصدق والمتابعة هي أصول السائرين إلى رب العالمين، وبغيرها تصبح مقيدا قعيدا كلما خطوت خطوة للأمام رجعت عشرة. [مدارج السالكين،سابق،بتصرف]

والإخلاص يختلف عن النصح؛ فالإخلاص إفراد الله بالقصد، والنصح: استفراغ الوسع، وبذل الجهد في أداء العمل بحيث لا يتخلف شيء من طوقه، وقدرته ظاهراً وباطناً[ابن القيم-الفوائد] فتقول: فلان يعمل بنصح، يعني بجد واجتهاد لا يدخر وسعاً ولا يتوانى ولا يكسل ولا يغش أو يدلس في بيعه وشرائه

مفهوم الإخلاص في القرآن

وردت مادة الإخلاص ومشتقاتها في كتاب الله تعالى: إحدى وثلاثين مرة.[المعجم المفهرس مادة خلص] وتدور جميعها حول معان عديدة مثل:

  • الانفراد: كما في قوله تعالى: {لَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا}[يوسف: 80] أي انفردوا خالصين عن غيرهم.[الأصفهاني-المفردات]
  • الصفاء: كما في قوله تعالى:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ} [النحل: 66] أي صافيا.
  • التبري عن كل ما دون الله: كما في قوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}[لقمان: 32]

وتبري المسلمين مما يدعيه اليهود من التشبيه، والنصارى من التثليث: كما في قوله تعالى: {قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ} [البقرة: 139]

  • إفراد الله بالعبادة: من مثل قول الحق:{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 29]

وقوله: {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [غافر: 65]

وقوله: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } [الزمر: 3]

وقول النبي محمد ﷺ سيد الخلق الذي جاء في الذكر الحكيم: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي *فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:14- 15]

وقد عرف إبليس اللعين هذه المفاهيم ونتائجها منذ أمد بعيد، ولذلك لما هدد وتوعد بإغراء الخلق وإفسادهم استثنى هؤلاء، لأنه يعلم أن الله تعالى لإخلاصهم سيخلصهم فقال: { رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر:39- 40] أي: إلا من أخلصته منهم لعبادتك, وعصمتَه من إضلالي, فلم تجعل لي عليه سبيلا فإني لا أقدر على إضلاله وإغوائه[تفسير الطبري]

  • الإخلاص بمعناه الذي هو توجيه القصد والعبادة لله وحده: وورد الإخلاص بمعناه في الكثير من الآيات القرآنية، وأهمها سورة الإخلاص، وقال الزجاج: المخلص الذي أخلصه الله، أي جعله مختارا، خالصا من الدنس. والمخلص: الذي وحد الله تعالى. ولذلك قيل لسورة «قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ»: سورة الإخلاص، لأنها خالصة في صفة الله تعالى.[لسان العرب، مادة خلص]
  • اختصاص الله لعباده بالرسالة والنبوة: ومثل ذلك يقال عن قصة يوسف عليه السلام، وهو النبي ﷺ الذي أخلص لله فاستخلصه ربه للنبوة، في الآية: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24] والمخلص بفتح اللام تعني: من أخلصه الله لنفسه فاجتباه للنبوة والرسالة[تفسير الطبري]

وَقَالَ الله تَعَالَى : {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] . قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: هُوَ أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ. قَالُوا: يَا أَبَا عَلِيٍّ، مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ؟ فَقَالَ: إِنَّ الْعَمَلَ إِذَا كَانَ خَالِصًا، وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا. لَمْ يُقْبَلْ. وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا: لَمْ يُقْبَلْ. حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا، وَالْخَالِصُ: أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ، وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ. ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110] .

وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [النساء: 125] . فَإِسْلَامُ الْوَجْهِ: إِخْلَاصُ الْقَصْدِ وَالْعَمَلِ لِلَّهِ. وَالْإِحْسَانُ فِيهِ: مُتَابَعَةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23] . وَهِيَ الْأَعْمَالُ الَّتِي كَانَتْ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ. أَوْ أُرِيدَ بِهَا غَيْرُ وَجْهِ اللَّهِ.

وفي آية أخرى يقول تَعَالَى:{ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162- 163]

 أما الإخلاص في كلام النبي ﷺ نذكرها في الموضوع التالي ..