كيف تخاف ربك؟

كيف تزرع مخافة الله في قلبك؟

إذا كان سيد الخائفين وإمام المتقين وأخشاهم لله هو نبينا صلى الله عليه وسلم وإذا كان الأنبياء والمرسلين والملائكة تخاف من الله، فما بالك بالمذنبون والمقصرون أمثالنا ..

ومن ما ينبغي تعلمه ما يساعد على الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الخوف من الله، وكيف نخاف من الله؟، وكل طاعة تقوي الإيمان تزيد من مخافة الله إلا أنه يبنبغي التركيز على عدة قضايا، لنخاف من الله كما أمرنا، منها:

العلم بالله توجب مخافته

أول العلم الذي به يستقيم الإنسان ويعرف قدر نفسه ومآلها فيخاف قال تعالى { قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}[الإسراء: 107] فمعرفة الله والعلم به تورث صدقنا في خوفه وحرصنا على رضاه

قال ابن مسعود: وكفى بخشية الله علماً. ونقصان الخوف من الله إنما هو لنقصان معرفة العبد به، فأَعرف الناس أخشاهم لله، ومن عرف الله اشتد حياؤه منه وخوفه له وحبه له، وكلما ازداد معرفة ازداد حياءً وخوفاً وحباً، فالخوف من أَجلّ منازل الطريق، وخشية العلماء بالله أَعظم من خوف غيرهم إذ خوفهم مقرون بمعرفة الله والعلم به، وهم إليه أحوج، وهو بهم أَليق، ولهم ألزم. فإن

يقول ابن القيم: وإذا عرف أن الله هو الجبار العزيز شديد العقاب لم يجرؤ أن يبارزه بالمعصية وإذا علم أن الله هو الرحمن الرحيم الغفور الودود رجا رحمة ربه وأحب خالقه.

 

تدبر القرآن يزيد مخافة الله

يقول الله: { فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ }[ق: 45].

وليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبر القرآن وإطالة التأمل وجمع الفكر على معاني آيات الكتاب العزيز فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل وتحثه على التضمرّ والتخفف للقاء اليوم الثقيل.

يقول ابن الجوزي: "والله لو أن مؤمناً عاقلاً قرأ سورة الحديد وآخر سورة الحشر وآية الطرسي وسورة الإخلاص بتفكر وتدبر لتصدّع قلبه من خشية الله وتحيّر من عظمة الله ربّه"

وتأمل في تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم عند كل آية عذاب، فقد قام صلى الله عليه وسلم (لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ قَالَ ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً) ابوداود والنسائي

البعد عن معصية الله

فالبعد عن المعصية يزيد الإيمان ويزكي القلب، فيزيد الخوف من الله بلا قنوط.

فالعبد إما أن يكون مستقيماً أو مائلاً عن الاستقامة فإن كان مائلاً عن الاستقامة فخوفه من العقوبة على ميله، ولا يصح الإيمان إلا بهذا الخوف، وهو ينشأ من ثلاثة أُمور:

أحدها: معرفته بالجناية وقبحها.

والثانى: تصديق الوعيد وأن الله رتب على المعصية عقوبتها.

والثالث: أنه لا يعلم لعله يمنع من التوبة ويحال بينه وبينها إذا ارتكب الذنب. فبهذه الأمور الثلاثة يتم له الخوف، الآخرة وبحسب قوتها وضعفها تكون قوة الخوف وضعفه [ابن القيم- طريق الهجرتين] وبالجملة فمن استقر فى قلبه ذكر الدار وجزائها، وذكر المعصية والتوعد عليها، وعدم الوثوق بإتيانه بالتوبة النصوح هاج فى قلبه من الخوف ما لا يملكه ولا يفارقه حتى ينجو.

 

الاطلاع على سير العابدين الخائفين

وأعظم الناس مخافة من الله، أعلمهم بربه وأقومهم بحقه نبينا محمد - صلى اله عليه وسلم - القائل: "والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له"]رواه مسلم[

ولما ذكر الله ريله وأنبياءه ذكرهم بأنهم يخشونه ولا يخشون أحداً غيره (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ) (الأحزاب: 39)

ولما ذكر الملائكة قال: ( يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) (النحل:50)

ولم يذكر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ذلك إلا لأن الإطلاع على سير الخائفين من الله يزيد الخوف من الله ويدعوا للإقتداء بهم، كما يفيد المسلم الاطلاع على سير العباد الصالحين ممن يخشون ربهم ومنهم صحابة رسول الله وعنهم يقول سيدنا علي رضي الله عنه: لقد رأيت أصحاب محمد فما أرى اليوم شيئاً يشبههم لقد كانوا يصبحون شعثاً غبراً بين أعينهم أمثال ركب المعزى قد باتوا لله سجداً وقياماً – أثر في الجلد فخشنه مثل ركب المعزى- يتلون كتاب ربهم يراوحون بين جباههم وجنوبهم فإذا أصبحوا ذكروا الله عزوجل مادوا كما يميد الشجر في يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم والله لكأن القوم باتوا غافلين..

 أن تسأل الله خشيته

فالله سميع قريب يجيب الدعوات وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل الله تعالى الخشية , فيدعوا ويسأل (.. وَخَشْيَتَك فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ..).]رواه النسائي[

وكَانَ ابْنِ عُمَرَ إذا جلس مَجْلِسًا لم يقم حَتَّى يَدْعُوَ لجلسائه بِهَذه الْكَلِمَاتِ , وزعم أن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهن لجلسائه ؛اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ , وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ , وَمِنَ الْيَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصائب الدُّنْيَا , اللهم أمتعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا مَا أَحْيَيْتَنَا , وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنَّا , وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا , وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ عَادَانَا , وَلاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِى دِينِنَا , وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا , وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا , وَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لاَ يَرْحَمُنَا. ]رواه النسائي[

التفكر في الموت وشدته وأنه لا مفر منه

قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ} [الجمعة: 8]، فهذا يوجب الخوف من الله.

قيل لبعض الزهَّاد: ما أبلغ العظات؟ قال: النظر إلى محلة الأموات.

وقال آخر: من لم يردعه القرآن والموت فلو تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة" ]رواه مسلم[، وقال صلى الله عليه وسلم : " أكثِروا ذِكْرَ هاذمِ اللَّذَّاتِ فما ذكَره عبدٌ قطُّ وهو في ضيقٍ إلَّا وسَّعه عليه ولا ذكَره وهو في سَعةٍ إلَّا ضيَّقه عليه"]رواه ابن حبان[

عدم الإغترار بالحياة الدنيا وبطول الأمل

يقول الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33]، فأمر الله أن لا تغر الإنسان الحياة الدنيا وأمر بالخشية من يوم القيامة

فالذي يعرف عظم ذنبه ويعرف أن الآخذ بالذنب هو الإله الأحد الذي لا تخفى عليه خافية، فلا يغتر بالأمد فكم من الناس استشعروا الذنب لكن أمهلوا وأخروا تبرئتهم منه فأخذهم الله به، لكن إذا راقب الإنسان نفسه وأصلح منها وعرف اطلاع الله عليه فإنه يخاف الاقتراب من الذنوب خوفا من الله.

ولابد أن يعلم العبد أنه قد يحال بينه وبين التوبة بموت مفاجيء، تسويف، شبهات، إصرار على المعصية والشهوات، فتنة مضلّة، والحسرة حينها لا تنفع قال تعالى: {حَتّىَ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبّ ارْجِعُونِ * لَعَلّيَ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاّ إِنّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىَ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون 99،100] ]فصل الخطاب في الزهد:5/218[

 

مجالس الذكر والعلم والبعد عن مجالس الغفلة

ولذا كان يعظ النبي صلى الله عليه وسلم صحابته، قال أحد الصحابة: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال رجل إنها موعظة مودّع ماذا تعهد إلينا؟، فقال صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً وخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله.. سلوني.. سلوني..) فغطّى الصحابة وجوههم يبكون..!]رواه الترمذي[

فيزداد خوفهم وذكرهم للجنة والنار في هذه المجال حتى قال حنظلة w للنبي صلى الله عليه وسلم ( تُذَكِّرنا بالنَّار والجنّة كأنَّا رأيَ عَينٍ، فإذا خَرجنا عافسنا الأزواجُ والأولاد والضيعات، نَسينا كثيرا) ( رواه مسلم)

وكما أن مجالس الذكر والعلم والإيمان تزيد من خوف الله وخشيته فمجالس اللهو واللغو تقسي القلب وتعلقه بالدنيا وتبعده عن الخوف من الله.