ثمرات الإخلاص.. معية الله وصفاء النفس وحرمة النار

ثمرات الإخلاص معية الله وصفاء النفس وحرمة النار
إذا قوي الإخلاص لله وحده في الأعمال ارتفع صاحبه إلى أعالي الدرجات، يقول أبو بكر بن عياش : " ما سبقنا أبو بكر بكثير صلاة ولا صيام، ولكنه الإيمان وقر في قلبه" .
وفي هذا يقول عبد الله بن المبارك: " رب عمل صغير تعظمه النية، ورب عمل كبير تصغره النية " وبالعمل القليل مع الإخلاص يتضاعف الثواب، يقول النبي صل الله عليه وسلم:( من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه (الفلو: المهر: وهو ولد الفرس) حتى تكون مثل الجبل العظيم )(متفق عليه) .
قال ابن كثير (تفسير ابن كثير) : في قوله تعالى : {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261] قال أي بحسب إخلاصه في عمله .

 تحقيق عبودية الله يمر من الإخلاص أولا:


تقترن آيات الإخلاص بالعبودية في القرآن، يقول الله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] ويقول: { سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ*إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ }[الصافات: 160]

 ظل الرحمن يوم القيامة:


إذا قوي الإخلاص وعظمت النية وأخفي العمل الصالح مما يشرع فيه الإخفاء، قَرُب العبد من ربه، وأظله تحت ظل عرشه، يقول النبي صل الله عليه وسلم : « سبعة يظلهم الله في ظله... وذكر منهم : ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه » (متفق عليه) .

 النار محرمة على المخلصين:


ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ أنه قال: (من قال: لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه حرمه الله على النار)[رواه ابن حبان]، فإن الإخلاص ينفي أسباب دخول النار، فمن دخل النار من القائلين لا إله إلا الله لم يحقق إخلاصها المحرم له على النار، بل كان في قلبه نوع من الشرك الذي أوقعه فيما أدخله النار، والشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل، ولهذا كان العبد مأموراً في كل صلاة أن يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} الفاتحة:5، والشيطان يأمر بالشرك، والنفس تطيعه في ذلك، فلا تزال النفس تلتفت إلى غير الله، إما خوفاً منه، وإما رجاء له، فلا يزال العبد مفتقراً إلى تخليص توحيده من شوائب الشرك"[ابن تيمية، مجموع الفتاوى، نقلا عن موسوعة خالد السبت]

 الإخلاص سر قبول الأعمال


قال الله: { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: 112]
لهذا يقول النبيﷺ: « إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»(رواه مسلم)

 دخول الجنة مرتبط بصدق النية


يقول الله تعالى عن أهل الجنة وبشراهم: { هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }[المائدة: 119]
وآيات القرآن لا حصر لها في تأكيد أن دخول الجنة مرتهن بالنية الصالحة التي يطويها قلب سليم.

 شفاعته صلى الله عليه وسلم للمخلصين


يقول النبيﷺ: « أسْعَدُ النَّاسِ بشَفَاعَتي يَومَ القِيَامَةِ، مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، خَالِصًا مِن قَلْبِهِ»(رواه البخاري)

 النجاة من عاقبة المنافقين


يقول الله: { أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَٰنَهُۥ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَٰنَهُۥ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَٱنْهَارَ بِهِۦ فِى نَارِ جَهَنَّمَ ۗ وَٱللَّهُ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ }[التوبة:109].
وتأسيس البناء على التقوى والرضوان هو: بحسن النية فيه، وقصد وجه الله، وإظهار شرعه. والتأسيس على شفا جرف هار هو: بفساد النية، وقصد الرياء، والتفريق بين المؤمنين.] ابن جزي: 369 [
يقول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء:145].

 الإخلاص سبب بركة العمل مهما كان بسيطا:


يقول النبي صل الله عليه وسلم : (لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين)(رواه مسلم) فبإخلاصه مع يسر العمل أدخله الله الجنة برحمته .

 النية الصادقة سبب الثواب وإن لم تعمل :


يقول جابر بن عبد الله رضى الله عنه : كنا مع النبي صل الله عليه وسلم في غزاة فقال : « إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض » وفي رواية : « إلا شركوكم في الأجر » (رواه مسلم) أي كانوا يودون لو خرجوا لولا مرضهم.
ويقول النبي عليه الصلاة والسلام عن الرجل الذي لا مال عنده وينوي الصدقة ويقول : لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، قال عنه النبي صل الله عليه وسلم : « فهو بنيته فأجرهما سواء » (رواه الترمذي).

الإخلاص يمنع تسلط الشيطان عليك


الإخلاص مانع بإذن الله من تسلط الشيطان على العبد قال سبحانه عن إبليس : {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }[ص: 82-83] .

 الإخلاص يحجب عنك المعصية والفاحشة


المخلص محفوظ بحفظ الله من العصيان والمكاره، قال سبحانه عن يوسف عليه السلام : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } [يوسف: 24]
فالله يصرف عن عبده ما يسوءه من الميل إلى الصورة -يعني التعلق بالصور الجميلة بالوجوه الحسان من النساء وغيرهن-، والتعلق بها، ويصرف عنه الفحشاء بإخلاصه لله، ولهذا يكون قبل أن يذوق حلاوة العبودية لله والإخلاص له تغلبه نفسه على اتباع هواها، فإذا ذاق طعم الإخلاص وقوي في قلبه انقهر له هواه بلا علاج"[ابن تيمية، مجموع الفتاوى، نقلا عن موسوعة خالد السبت]، فإذا امتلأ القلب من الإخلاص لم يتلذذ العبد إلا بالتقرب إلى الله، فلم يعد لهذه القاذورات من التعلق بالصور المحرمة محل في القلب.

 الإخلاص سبب علو الدرجة :

يقول النبي صل الله عليه وسلم : (إنك لن تختلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله ازددت به درجة ورفعة) (متفق عليه) .

 الإخلاص سبب رضوان الله وسكينته


يقول الله عن أهل بيعة الرضوان: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} الفتح:18.

 كفاية الله ومعيته للمخلصين


يقول الله : {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} الزمر:36، والعبودية إنما تقوم بإخلاص الدين لله، يقول عمر بن الخطاب -رضى الله عنه-: "من خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله"[إعلام الموقعين عن رب العالمين،2/121]
يقول ابن القيم: فإن العبد إذا خلصت نيته لله تعالى، وكان قصده وهمه، وعمله لوجهه سبحانه كان الله معه، فإنه سبحانه: {مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} النحل:128.
الإخلاص سبب صفاء القلب من الغل والرياء:
فالإخلاص كفيل بأن يصفي القلب، وأن يميله إلى مولاه، يقول النبيﷺ: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله..)[رواه الترمذي]
يقول ابن القيم: "أي: لا يحمل الغل ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة، فإنها تنفي الغل والغش، وهو فساد القلب وسخايمه، فالمخلص لله إخلاصه يمنع غل قلبه، ويخرجه ويزيله جملة؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبقَ فيه موضع للغل والغش.
يقول ابن القيم: "فالإخلاص هو سبيل الخلاص، والإسلام هو مركب السلامة، والإيمان خاتم الأمان"[مفتاح دار السعادة:72]
فيا أيها اعبد الحريص على هذه الثمرات والحريص على تعلم كيف تخلص لله موضوعنا التالي في كيف تخلص لله وتحقق إخلاصك لله؟ والوسائل المساعدة على ذلك